الرئيسة \  مواقف  \  موقفنا : " أرهقته وأرهقتنا عباءة السلطان ..."

موقفنا : " أرهقته وأرهقتنا عباءة السلطان ..."

04.04.2017
زهير سالم




الرجل لم يدّعِ ، لم يقل لهم إني الخليفة ولا السلطان ولا الصدر الأعظم. لم يقل لهم أنا ألب أرسلان ، ولا محمد الفاتح ، ولا حامل لواء العثمانية  لا القديمة ولا الجديدة .
عمل كحاكم ديمقراطي علماني صادق مع شعبه . وقال لنا نحن رافضي العلمانية : إن العلمانية منهج جميل ، لا تخافوا منه ، تلبسوه ومارسوا من خلاله ، وآليات إقلاع الحاكم بشعبه وأمته ووطنه كآلية إقلاع قبطان الطائرة بها ؛ فلا هم صدقوه وعفّوا عنه ، ولا نحن صدقناه وقبلنا منه .
ظلت اسطنبول بعد عقد ونصف من حكمه وحزبه ، مرتعا لألوان من السياحة التي يحبونها ، وظل ليهود الدونما في تركية مثل الذي كان لهم في مصارفها ، ومعاهدها ، وظلت آياصوفيا متحفا يحن منبرها إلى لحن خطيب ، وظلت .. وظلت .. ومع ذلك فقد أصروا وأصررنا  ( معا ) وكل الغرابة في ( معا ) على أن نخلع على الرجل عباءة السلطان ..
نفخنا في حبة مطر في عالم القحط والجفاف ، فكتبنا عن ( ون مينت ) أو ( بير دقة ) مثل ما كتب الكاتبون من قبل عن ( ملاذكرد ) وعن ألب أرسلان ، الذي حوّل الكمين الذي وقع فيه إلى نصر جعل عدوه في عصر جمعة يجثو مغلول اليدين بين يديه .
هذا الرجل ليس ألب أرسلان الذي لقب ( بملك العالم ) والذي كتبوا على قبره ( يا من رأيت عظمة ألب أرسلان تصل إلى السماء تعال انظر إليه هنا في التراب ) ، المقاربة التي يراها البعض جميلة وواعدة هي على الحقيقة عملية تحريض خطير ، وشحن للعداوة وأزيز للبغضاء في قلوب االكثيرين. الرجل ليس ألب أرسلان ، ولا هو محمد الفاتح ولا حتى السلطان عبد الحميد ؛ نريدهم أن يعتبروا ولكنهم ما زالوا لا يدركون سر الاعتبار ..
ثم نفخوا في وقعة سفينة الحرية ، سفينة مرمرة ، وحولوها إلى نصر، وقد تكون نصرا للإرادة فقط فهل من يعي معنى فقط ، وقالوا فيها ما لم يقله أبو تمام في فتح الفتوح . وحمّلوا الرجل الجميل المتواضع الصداع بالحق ، مسئولية عواطفهم المشبوبة ، وتطلعاتهم الحالمة ، وألقوا عليه ، جهلا منهم أو غروا ، مسئولية خصاء بيريز وشارون ومن بين أيديهم ومن خلفهم فكان من أمره وأمرنا ما لم نرد منه مرة أخرى الاعتبار .
ثم تفتقت أزاهير الربع العربي ، وتفجرت كالكمأة السمراء ثورته ، وأحب الرجل أن يعين ، ولعله كان مثل بعضنا ، يظن ويخال ويحسب ويتوقع ..فاندفعنا واندفع أو اندفع واندفعنا فكان أن غرقنا جميعا في لجة الدماء ...
وكان السر في كل  كل ما عانى الرجل وعانينا ، ظل (عباءة السلطان ) التي ألقاها البعض على عاتقي الرجل ، أو على كاهليه ، فأرهقته ، أخافت منه ومنّا أيضا ، بُعداء طالما اكتوا بنارها ، فاستثيروا استباقيا لقطع الطريق فقطعوه .  وشحنت علينا وعليه قلوب أدعياء قرابة قطع الحقد على هذه العباءة ، قلوبهم ، وطمس على أبصارهم وبصائرهم ، فوقعنا جميعا في المحظور الذي خفنا وما زلنا نخاف ..
وفي ظلال الخوف ( من عباءة السلطان ) والريبة فيمن يظن حاملها ؛ لم يجد كل الأدعياء حرجا في أن يدوسوا على دعاويهم ، على المبادئ التي رفعوها ، وعلى الوثائق التي قدسوها ، وعلى القوانين التي شرعوها ؛ فعلوا كل هذا فأيدوا قتل الأطفال ، وتسامحوا في تدمير الأوطان ، وتعاموا عن جرائم الحرب ترتكب تحت سمعهم وأبصارهم ليل نهار ، كل هذا ولا يرفع أحد أمامهم ولو على قصبة عباءة سلطان ...
أيها الرجل الجميل لقد أرهقناك بما حملناك ..ولقد أرهقتنا بما أمّلتنا ، فكنا نحن وانت في لعبة الحلم سواء ...
ولكن لقد آن للعبة الإضرار بالذات أن تتوقف ..
 وآن للذين ما زالوا يحلمون أن يصحوا من لذيذ الحلم ، ننادي عليهم لا تقطعوا عنق صاحبكم . ولا تُجلبوا عليه أكثر مما فعلتم ؛ فهو على وهن يستخلص حقوق شعبه المنكوب الذي ما زال يعاني منذ قرن أشر من معاناتكم  ..
وإذا كنا قد امتدحنا من قبل روية وحكمة وحسن تأت وتدبير فيجب أن يظل هذا السلوك موضع  إجماع ومدح وإعجاب وتقدير ..
ولتهنأ متاحف اسطنبول بما فيها من بردة وقضيب ، ستظل تبعث في القلوب أملا يضيء ...
 
لندن : 5 / رجب / 1437
1 / نيسان / 2017
----------------
*مدير مركز الشرق العربي
zuhair@asharqalarabi.org.uk